9 نوفمبر 2018

أسرار "قوة الشكر"

أسرار "قوة الشكر"

للشكر والامتنان طاقة غريبة تمنح صاحبها النجاح والشفاء، هذا ما يقوله الخبراء اليوم وهذا ما قاله النبي الكريم قبل ذلك....
كنتُ أتأمل سيرة بعض الناجحين على مر التاريخ ولفت انتباهي أمر مهم ألا وهو أنهم يستخدمون التقنيات ذاتها في سبيل النجاح وتحقيق ما يطمحون إليه بسهولة. ومن الأشياء الملفتة أنهم يستخدمون "قوة الشكر" فالشكر والامتنان له سحر غريب وتأثير عجيب في حياة الإنسان، ولكن كيف؟
الشكر طريق سهل للنجاح
يؤكد الدكتور جون غراي وهو طبيب نفسي وأحد المبدعين الذين بيعت ملايين النسخ من كتبه، يؤكد على أهمية الشكر في حياة الإنسان الناجح، فالزوجة مثلاً التي تشكر زوجها على ما يقوم به، فإن هذا الشكر يحفزه للقيام بمزيد من الإبداعات والنجاح. فالامتنان يقدم لك المزيد من الدعم والقوة.
ويوضح الخبير "جيمس راي" هذه الحقيقة بقوله: إن قوة الشكر كبيرة جداً فأنا أبدأ يومي كلما استيقظت صباحاً بعبارة "الحمد لله" لأنني وجدتها مفيدة جداً وتمنحني طاقة عظيمة! ليس هذا فحسب بل إنني أشكر الله على كل صغيرة وكبيرة وهذا سرّ نجاحي أنني أقول "الحمد لله" وأكررها مراراً طيلة اليوم!!
الشكر طريق سهل للإبداع
للشكر تأثير مذهل في حياة معظم المبدعين، فالامتنان والشكر للآخرين هو أسهل الطرق للنجاح، والشكر طريقة قوية ومؤثرة حتى عندما يقدم لك أحد معروفاً صغيراً فإنك عندما تشكره تشعر بقوة في داخلك تحفزك للقيام بالمزيد من الأعمال الخيرة. وفي دراسة حديثة تبين أن الامتنان والشكر يؤدي إلى السعادة وتقليل الاكتئاب وزيادة المناعة ضد الأمراض!
لقد قام العلماء بتجارب كثيرة لدراسة تأثير الشكر على الدماغ ونظام المناعة والعمليات الدقيقة في العقل الباطن، ووجدوا أن للشكر تأثيراً محفزاً لطاقة الدماغ الإيجابية، مما يساعد الإنسان على مزيد من الإبداع وإنجاز الأعمال الجديدة. كما تؤكد بعض الدراسات أن الامتنان للآخرين وممارسة الشكر والإحساس الدائم بفضل الله تعالى يزيد من قدرة النظام المناعي للجسم!
يقوم الدكتور Robert Emmon وفريق البحث في جامعة كاليفورنيا بدراسة الفوائد الصحية للشكر، وقد وجد بنتيجة تجاربه على الطلاب أن الشكر يؤدي إلى السعادة وإلى استقرار الحالة العاطفية وإلى صحة نفسية وجسدية أفضل. فالطلاب الذين يمارسون الشكر كانوا أكثر تفاؤلاً وأكثر تمتعاً بالحياة ومناعتهم أفضل ضد الأمراض. وحتى إن مستوى النوم لديهم أفضل!
الشكر لعلاج المشاكل اليومية
يؤكد الباحثون في علم النفس أن الشكر له قوة هائلة في علاج المشاكل، لأن قدرتك على مواجهة الصعاب وحل المشاكل المستعصية تتعلق بمدى امتنانك وشكرك للآخرين على ما يقدمونه لك. ولذلك فإن المشاعر السلبية تقف حاجزاً بينك وبين النجاح، لأنها مثل الجدار الذي يحجب عنك الرؤيا الصادقة، ويجعلك تتقاعس على أداء أي عمل ناجح.
عندما تمارس عادة "الشكر" لمن يؤدي إليك معروفاً فإنك تعطي دفعة قوية من الطاقة لدماغك ليقوم بتقديم المزيد من الأعمال النافعة، لأن الدماغ مصمم ليقارن ويقلّد ويقتدي بالآخرين وبمن تثق بهم. ولذلك تحفز لديك القدرة على جذب الشكر لك من قبل الآخرين، وأسهل طريقة لتحقيق ذلك أن تقدم عملاً نافعاً لهم.
فن ممارسة الشكر
الاختصاصي "لي برو" مؤسس شركة تفعيل الطاقة لإحراز الثروة، ينصح بأن تمارس الشكر والامتنان باستمرار بل أن تقنع نفسك بذلك من خلال الكلام، أي لا يكفي الاعتقاد أو الامتنان إنما يجب أن تقول وتكتب ذلك على ورقة مثلاً: إنني سعيد جداً ... لأنني أشكر الناس على معروفهم... وهذا الشكر سيقدم لي النجاح والإبداع...
ويقول هذا الخبير المتخصص بجمع الثروات: اجعل الشكر عادة تمارسها كل صباح، أن تبدأ بشكر الله، ثم تشكر الناس خلال ممارسة أعمالك اليومية لكل عمل أو معروف يقدّم لك... وخلال أيام قليلة ستشعر بقوة غريبة وجديدة من نوعها تسهل طريقة النجاح لك.
آلية عمل الشكر
بعد دراسات طويلة لعدد من الباحثين في البرمجة اللغوية العصبية وعلم النفس تبين أن معظم المبدعين والأثرياء كانوا يشكرون الناس على أي عمل يقدمونه لهم، وكانوا كثيري الامتنان والإحساس بفضل الآخرين عليهم، ولا ينكرون هذا الفضل حتى بعد أن جمعوا ثروات طائلة.
ولو تساءلنا: كيف يقوم هذا "الشكر" بعمله، وكيف يمكن أن يصبح الإنسان ناجحاً، وما علاقة ممارسة الشكر بالإبداع مثلاً؟ إن الجواب يكمن في عقلك الباطن!
يؤكد العلماء أن كل تصرف تقوم به أو حركة تعملها أو كلمة تنطق بها... إنما تصدر نتيجة برامج معقدة موجودة في داخل الدماغ في منطقة تسمى العقل الباطن (وهي منطقة مجهولة حتى الآن). وهناك تفاعلات يقوم عقلك الباطن في كل لحظة مع الأحداث التي تمر بك، وعند ممارستك لأي عمل هناك عمليات معقدة تحدث في دماغك لا تشعر بها.
فكثير منا يحاول حفظ القرآن مثلاً ولا يستطيع بل يجد ثقلاً وكأن شيئاً يبعده عن هذا الحفظ. وكثير منا يحاول أن ينجز عملاً فلا يجد رغبة في ذلك فيتقاعس وتجده كئيباً منعزلاً لا يجد لذة في هذا العمل فلا يقدم عليه. وكثير أيضاً لديهم طموحات في مجال الدراسة أو العمل أو العاطفة... ولكن لا ينجزون أي شيء!
هل تعلمون ما هو سبب هذه الظاهرة الخطيرة؟ إنه عقلك الباطن الذي امتلأ بالأفكار السلبية وتمَّ حشوه بالمعلومات الخاطئة عن الآخرين وفقد التوجه الصحيح، وبالتالي لابد من إعادة شحنه وبرمجته وتنشيطه.
للشكر طاقة هائلة تظهر بعد فترة من ممارسته، فالمبدعون الذين كانوا يشكرون الآخرين ويعبرون عن امتنانهم بشتى الطرق، أدركوا فوائد هذا العمل وبالتالي أكثروا منه واستثمروه وحصدوا نتائجه من خلال ما قدموه من إبداع واكتشاف.
والآن يأتي دور الشكر والامتنان، حيث أنك عندما تشكر الناس وتشكر الله فإن كل عملية شكر تقوم بها تشكل في عقلك الباطن معلومة جديدة تحفزه ليدفعك للعمل أكثر، لأنك ستعتقد أن الناس سيقدرون عملك ويهتمون به ويشكرونك عليه، وهذا يقودك لمزيد من العمل.
بينما نجد الإنسان الذي لا يشكر الناس يظن بأن الآخرين لن يشكروه على أي عمل يقدمه مهما كان مهماً، وبالتالي يختفي الحافز والدافع لأي عمل جديد، فتجده يفقد الرغبة في الإنجاز ومع الزمن يتطور الأمر فيصاب باكتئاب خفيف وقد يتطور إلى اضطراب مزمن...
كيف نمارس فن الشكر؟
بالقول والعمل. فعندما يؤدي لك شخص ما عملاً ينبغي أن تشكره بقولك: شكراً لكم، أو إنني أشكرك شكراً جزيلاً، أو تعبر له عن فرحتك وسرورك بهذا العمل ومن ثم تشكره على ذلك. وهذا لن ينقص من قدرك شيئاً، لأن بعض الناس يعتقدون أن شكر الآخرين هو ضعف، على العكس هو قوة وطاقة تجد أثرها في نجاحك في المستقبل.
الطريقة الثانية هي العمل، فينبغي عليك أن تنجز عملاً للآخرين تعبر لهم عن امتنانك لهم. تساعد أخاك على قضاء حاجة ما، أو تفرج عنه هماً، أو ترسم الابتسامة على وجهه، أو تدخل السرور إلى قلب طفلك أو زوجتك أو أخيك أو أبيك...
ويمكن القول إن العلماء لم يدركوا أهمية هذه العملية إلا حديثاً جداً، ولكن الإسلام جعل الشكر جزءاً مهماً يمارسه المؤمن عبادة وطاعة لله عز وجل، وقد جعل الله جزاءك الجنة إذا شكرت الله وشكرت الناس... لنتأمل الآن هذه الأحاديث والآيات عسى أن نتذوق حلاوة الشكر.
النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالاستفادة من قوة الشكر
إن أكثر ما لفت انتباهي في أقوال الخبراء في علم النجاح وتطوير الشخصية والإبداع، هو أنهم يبدأون صباحهم بالشكر لله، وربما أتذكر نبينا عليه الصلاة والسلام الذي كان يبدأ يومه بعد الاستيقاظ مباشرة بحمد الله تعالى فيقول: (الحمد لله)، فقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انتبه من الليل قال:(الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) [البخاري ومسلم].
ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أراد لنا الخير وأمرنا أن نشكر الناس باستمرار على أي معروف يؤدونه لنا، بل جعل الشكر للناس موازياً للشكر لله تعالى، وأ، الذي لم يتعود على شكر الناس لا يمكن أن يشكر الله ولذلك يقول النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) [رواه الترمذي].
أهم أنواع الشكر
إنه شكر الخالق عز وجل، فالله الذي خلقك ورزقك وأنعم عليه بنعم لا تعد ولا تُحصى يستحق منك أن تشكره... ولذلك نجد المؤمن يبدأ صلاته في كل ركعة بعد البسملة ب (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: 2]، وهي ما بدأ الله به كتابه بعد بسم الله الرحمن الرحيم.
لقد أعطانا الله تعالى معادلة رائعة للشكر يقول تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152]. فذكر الله وشكره من أهم أسباب النجاح في الدنيا والآخرة. والإسلام يريد لنا الخير في هذه الدنيا وما بعدها، بينما تقتصر جهود العلماء على تحقيق السعادة في الدنيا فقط!
وهذه ميزة الإسلام أنه يحقق لك السعادة حتى عندما تأتي لحظة الموت! ففي حالة المرض نجد المؤمن يشكر الله ويحمده لأنه يعلم أن هذا المرض سيكون سبباً في المغفرة ومزيد من رحمة الله تعالى.
أعظم سورة في القرآن هي الفاتحة وهي التي لا تصح الصلاة إلا بها، وتبدأ بعد البسملة بـ "الحمد لله رب العالمين"، ولذلك كان النبي يبدأ خطبته بالحمد لله، فالحمد لله كلمة عظيمة لا يدرك أسرارها إلا من يكررها ويستشعر عظمتها!
آيات كثيرة تحض على الشكر، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172]. ويذكرنا الله بنعمه وفضله علينا، ولكن معظم الناس غافلون عن الشكر وفوائده، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) [البقرة: 243].
الشكر... صفة لله تعالى
يقول تعالى: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) [النساء: 147]. فشكر الله عز وجل يكون من خلال كرمه وفضله ورزقه لنا، وشكرنا لله تعالى يكون من خلال التزامنا بتعاليمه وطاعة أوامره والانتهاء عما نهى عنه. ولذلك فإن الله جعل الشكر صفة له فقال: (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا). وكذلك جعل الشكر صفة لأنبيائه عليهم السلام فقال في حق سيدنا إبراهيم: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل: 121].
وقال تعالى عن نفسه: (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 30]. وحتى يوم القيامة فإن المؤمن يحمد الله تعالى وهو في الجنة، ويشكر الله الغفور الشكور على هذه النعم، يقول تعالى: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 34].
الشكور من أسماء الله الحسنى وهذا الاسم يحمل إشارة مهمة وهي: أيها الإنسان! أنت لست أفضل من الخالق تبارك وتعالى، فإذا كان الله تعالى هو "الشكور" فماذا عنك أيها الإنسان؟ وسبحان الله، كلما ازداد المؤمن إيماناً ازداد شكراً للناس.
الشكر يقابل الكفر
هل تتصورون أن عدم الشكر يؤدي إلى الكفر! بل إن الله تعالى جعل للإنسان طريقين: الشكر والكفر، يقول تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان: 3]. وهكذا ندرك أن الشكر فريضة على المسلم، وليس مجرد عادة تهدف لجلب الثرة أو النجاح أو الشهرة!
ولذلك قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]. تأملوا معي المنزلة التي يحتلها الشكر في الإسلام، إذا لم تشكر الله فإن عذاب الله شديد! ولكن عندما تشكر الله تعالى فإن الله سيرزقك ويزيدك مالاً ونجاحاً وقوة: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، أليس هذا ما يؤكده الخبراء من غير المسلمين؟
حتى إننا نجد الدراسات العلمية الجديدة تؤكد على فوائد الامتنان والشكر ولكن ما علاقة الإيمان بذلك؟ يقول العلماء: إن الإيمان بالله والصلاة تساعد كثيراً على الشكر للناس وبالتالي كسب فوائده، ولذلك ينصحون بمزيد من الإيمان بالله!
حتى البهائم تشكر الله تعالى!
ربما نتذكر قصة ذلك الرجل الذي وجد في الصحراء كلباً يلهث يأكل الثرى من العطش فذهب إلى البئر ونزع خفّه فملأها ماءً حتى روي الكلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فشكر الله له فغفر له) [البخاري ومسلم].
فالحيوانات والنباتات تشكر الله وتسبحه حمداً له على أن أوجدها وسخر لها أسباب الرزق. فعندما تحسن إلى حيوان تجده يتقرب منك ويشمك ويحني رأسه أمام تعبيراً منه عن امتنانه لك! ففي رواية البخاري ومسلم أن رجلاً وجد "غصن شوك" يؤذي النبات فنزعه فشكر الله له، فغفر له!
هذه الطيور تشكر الله تعالى باستمرار وتسبحه على نعمه عز وجل، فقد خلقها ورزقها وسخر لها أسباب المعيشة، ولذلك نجدها تتعاون وتضحي من أجل الآخرين كما أثبت العلماء مؤخراً، فقد وجد العلماء أن عالم الحيوان والحشرات مليء بالتضحية والإيثار، فماذا عنا نحن البشر العقلاء؟!
شكر الزوجة لزوجها فريضة عليها
إن معظم المشاكل الزوجية التي تنتهي بالطلاق تكون ذات أسباب تافهة جداً، ويقول الباحثون إن حياتك الزوجية تكون سعيدة وهانئة بمجرد أن تمارس الشكر لزوجتك وتشعرها بامتنانك له... وتؤكد دراسة جديدة للبروفسور Todd Kashdan في جامعة George Mason أن النساء اللواتي يشكرن أزواجهن يكنّ أكثر سعادة ويعشن عمراً أطول!
وتؤكد الدراسة أن النساء أكثر قدرة على التعبير من الرجال، وأكثر قدرة على منح مشاعر الامتنان. وتقول الدراسة التي نشرت في مجلة الشخصية Personality أن المرأة يمكن أن تعيش حياة هانئة ومطمئنة بمجرد أن تقدم الشكر لزوجها.
سبحان الله، رسولنا الكريم لم يترك هذا الأمر جانباً بل نبَّه عليه قبل 1400 سنة، فقد اعتبر النبي الكريم أن شكر المرأة لزوجها عبادة لله تعالى، وأن الله لا ينظر للمرأة التي تنكر الجميل، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه) [السلسلة الصحيحة للألباني].
تصوروا أن كلمات بسيطة تقولها لزوجتك كل يوم تشكرها وتشعرها بقيمة عملها وتقدر لها مجهودها في البيت وفي تربية الأولاد، هذه الكلمات قد تكون سبباً في درء الكثير من المشاكل وجلب الكثير من السعادة... إنها قوة الشكر!
الشكر جزء من العبادة
إن الإسلام جعل من الشكر عبادة لله تعالى، يقول عز وجل: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [النحل: 114]. إنها آيات عظيمة سوف تكون سبباً في سعادتك ونجاحك، لأن الله هو الذي يرسم لك طريق الخير، ويهيء لك أسباب النجاح ولكن ينبغي أن تتذكره في كل لحظة وتحمده على نعمه حتى يعطيك ما تريد.
لنتأمل هذه الآية التي تصور لنا حال المؤمن يوم القيامة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) [الأعراف: 43]، وآخر دعوة للمؤمن يوم القيامة هي الحمد والشكر لله تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس: 10].
الصبر والشكر
هناك خبراء اليوم ينصحون بالشكر لعلاج الأمراض! حيث يؤكد الباحثون وجود طاقة شفائية للامتنان والشكر يمكن بواسطتها علاج بعض الأمراض المستعصية. ويقولون: إذا اقترن الشكر بالصبر كان ذلك علاجاً ناجعاً للكثير من الأمراض لأن جهاز المناعة سيتحسن كثيراً ويقوى على مواجهة الأمراض. وسبحان الله، تأملوا معي هذه الآية العظيمة: (إنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [الشورى: 33]. فقد قرن الله بين الصبر والشكر.
ولا ننسى أن النبي صلى الله عليه وسلم أكد أن حال المؤمن عجيب، فعندما يصيبه الضر يصبر، وعندما يصيبه الخير يشكر، فكل شأنه خير.
الأنبياء مارسوا عبادة الشكر
هذا هو سيدنا سليمان عليه السلام يشكر الله ويقدر نعمه... يقول تعالى على لسان سليمان: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 40].
وكذلك سيدنا لقمان شكر الله تعالى، فقد علمه الله الحكمة وأول قواعد الحكمة الشكر لله، يقول تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12]. وكأن الله يريد أن يعطينا إشارة قوية لأهمية الشكر وأنه جزء من الحكمة بل هو الحكمة: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ)...
وقال الله في حق سيدنا نوح عليه السلام: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء: 3]... انظروا كيف يركز القرآن على الشكر ويجعله صفة لأنبياء الله سبحانه وتعالى لنقتدي بهم وهذا هو النجاح الحقيقي وليس نجاح الثروة والمال!
الشكر للوالدين
شكر الله أولاً ثم الوالدين، يقول تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14]. وتأملوا معي هذا الأمر الإلهي: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)، لأن الإنسان عندما لا يقدر قيمة الأبوين ولا يشعر بحنانهما وما بذلاه في تربيته، فلا يمكن أن يشكر الناس ولا يشكر الله تعالى.
فالشكر ليس مجرد عادة تمارسها بل هو عبادة لله تعالى يرافقك في كل أعمالك، ومعظم الناجحين والمبدعين كانوا يرافقون عملهم بالشكر للنا  ولله، وهذا ما أمر الله به. فعلى سبيل المثال أمر الله آل داوود بالشكر أثناء العمل فقال: (اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13]. فالعمل هو نوع من أنواع الشكر أيضاً!
ينظر العلماء إلى الشكر على أنه أسهل طريق للوصول لما تطمح إليه. فأنت بالشكر تستطيع جذب الآخرين إليك وكسب ثقتهم وإيصال رسالة لعقلهم الباطن تؤكد لهم تقديرك ومودتك وإخلاصك، وبالتالي تستطيع استثمار من حولك وتحفيزهم للتعامل معك، وبالتالي كسب المزيد من العلاقات الناجحة وإنجاز العمل بسرعة وإتقان.
الشكر ينجي من المهالك
الذي يشكر الله سوف ينجيه من المواقف الصعبة، فهذا هو سيدنا لوط عليه السلام أنجاه الله من العذاب الذي أهلك قومه بسبب شكره لله، يقول تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) [القمر: 34-35]. تأملوا معي هذه العبارة: (كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ)...
فإذا كانت الهموم تحيط بك والمشاكل تلفّك من كل جانب، وتريد حلاً بسيطاً ومجانياً، إذاً احمد الله تعالى وأكثر من الشكر، وحاول أن تقدم عملاً نافعاً للآخرين، وبخاصة أقاربك وأهلك وجيرانك، فالحمد سر لا يعلمه إلا من يمارسه.
إن الشكر يتم بالقول والفعل، وهو أمر يسهل لك كسب علاقات ناجحة كل يوم، فأنت عندما تمد يدك إلى الآخرين مع كلمة شكر وابتسامة فإن هذه الأشياء الثلاثة مجتمعة تقودك لكسب ثقة الآخرين وكسب محبتهم لك وضمان مساعدتهم لك فيما تحتاج... ولذلك فإن للشكر "قوة جذب" خاصة تجذب بها الآخرين وتوصل إليهم رسائل إيجابية تخلق علاقات طيبة معهم، وهذا ينعكس على استقرار شخصيتك وزيادة قدرتك على حل المشاكل والصعوبات.
كيف نشكر الله؟
أما شكر الله فيكون بالقول والعمل معاً، فالشكر يكون بذكرك لله تعالى في كل حال وكل لحظة، تحمده وتسبحه وتكبره، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله ثلاثاً وثلاثين مرة عقب كل صلاة. وكان يحمد الله على كل حال، وكان يحمد الله بالفعل أيضاً ولكن كيف؟
إن الله وهبك نعمة البصر فكيف تشكره عليها؟ لا تستعملها في غضب الله فلا تنظر إلى ما حرم الله، كذلك وهبك الله نعمة العقل فلا تفكر في معصية أو إثم أو أذىً، بل اجعل تفكيرك كله في مساعدة الآخرين وتقديم الخير لهم ولك.
وهكذا كل النعم التي أنعم الله عليك ينبغي أن تؤدي شكرها لله تعالى، وبخاصة نعمة المال التي فقد الكثيرون الشكر عليها، فهذا المال ليس لك إنما هو لله تعالى وضعه أمانة بين يديك، فلا يكفي قولك: الحمد لله، لابد أن تتبع هذا القول بالتصدق على من يحتاج هذا المال، وللصدقة مفعول كبير أيضاً في الإبداع والنجاح كما يؤكد كثير من المختصين...
دماغ الإنسان الذي يشكر الناس يكون أكثر نشاطاً، وبالتالي نجده متفائلاً وبعيداً عن الاكتئاب، بينما نجد الدماغ المكتئب لم يتعود على ممارسة الشكر! تؤدي مشاعر الامتنان وممارسة الشكر، إلى إطلاق مواد كيميائية في الجسم مثل مادة Dopamine ومادة Serotonin وهذه المواد تنطلق طبيعياً أثناء السعادة، ويقل إفراز هرمون الإجهادCortisol مما يؤدي لوقاية القلب من النوبات القلبية ومرض الأوعية القلبية. (حسب Professor Robert A. Emmons).
وفي النهاية نقول:
نحن نمارس الشكر لله كل يوم استجابة لنداء الحق عز وجل واستجابة لأمر النبي الكريم، فالشكر جزء من عقيدتنا ومنهج مهم نسلكه في حياتنا، ولكن الغرب اكتشف قوة الشكر وتأثيره بعد تجربة ومعاناة ولو أنهم درسوا تعاليم الإسلام واستفادوا منه، لوفروا على أنفسهم عناء البحث.
إن ممارسة الشكر دواء مجاني لك عزيزي القارئ لعلاج أمراضك ومشاكلك النفسية! إنك لن تشتري أي دواء ولن تنفق أي نقود، ولن تجهد نفسك بممارسة الرياضة أو اتباع نظام غذائي... فقط مارس الشكر وتمتع بصحة أفضل.
إن الأشياء التي رأيناها في هذا البحث تؤكد أن تعاليم الإسلام صحيحة وليس كما يدعي بعض المشككين، فالإسلام يريد لنا أن نشكر الله ويشكر بعضنا بعضاً، ويسود العدل والسلام والمحبة في أرجاء الأرض... فهل تقبلون معي هذه التعاليم الرائعة وتبدأون منذ هذه اللحظة بممارسة الشكر والاستفادة من طاقته الرائعة؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دمتم بخير .

13 أكتوبر 2018

قال تعال : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ }





قال تعال : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ }


من أوجه الإعجاز الإنبائي في النص الكريم:

==========================
يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في محكم كتابه:

﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ( البقرة:35)

وأكد ربنا ـ تبارك اسمه ـ علي نفس المعني في مقام آخر من القرآن الكريم قال ـ عز من قائل:

﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ( الأعراف:19)

وقد اختلف المفسرون في تحديد الجنة التي أدخل إليها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ هل هي جنة المأوي المعروفة باسم جنة الخلد وهي دار جزاء وخلود, لا يخرج داخلها منها أبدا, أم هي جنة في الأرض أعدها الله ـ سبحانه وتعالي ـ لهما, وجعلها دار ابتلاء واختبار, والواضح من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة أنها كانت جنة علي الأرض أي: منطقة مرتفعة علي هيئة ربوة تعلو ما حولها, زاخرة بالأشجار المثمرة, ذات الظلال الوارفة, والنضرة والبهجة الدائمة, ولذلك وصفها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ موجها الخطاب إلي أبينا آدم ـ عليه السلام ـ قائلا له:

﴿ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى . وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى ﴾ (طه:119,118)

هذا بالإضافة إلي أن الجنة التي أسكنها آدم وحواء تم تكليفهما فيها ألا يأكلا من شجرة معينة, وابتليا فيها بذلك, والأرض هي دار الابتلاء, وجنة الخلد هي دار الجزاء التي وعد الله ـ تعالي ـ المتقين بدخولها في الآخرة, وهي ليست دار ابتلاء.

كذلك فإن إبليس دخل علي أبوينا آدم وحواء جنتهما الأرضية, وهو محروم من الدخول إلي جنة المأوي, وأن مجرد إخراج أبوينا آدم وحواء من الجنة التي أسكنا فيها ينفي عنها أن تكون جنة الخلد التي لا يخرج منها من دخلها أبدا.

والاحتجاج بتعريف( الجنة) التي سكنها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ لا يدل أبدا علي أنها جنة المأوي, وذلك لأن الألف واللام هنا للتعريف, وليسا للتعميم ويستدل علي ذلك من وصف القرآن الكريم لعدد من جنات الأرض بالتعريف, وذلك من مثل قوله ـ تعالي:

﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ ( القلم:17)

وكذلك فإن الاحتجاج بأن ذكر( الهبوط) من الجنة التي أدخل إليها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ يمكن أن يشير إلي النزول من السماء إلي الأرض لا سند له علي الإطلاق, وذلك لأن الهبوط قد يكون من مرتفع علي الأرض إلي ما دونه, كما قد يكون هبوطا معنويا في مثل قوله ـ تعالي ـ:

(1) ﴿... وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ (البقرة:36)

(2) ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ (البقرة:38)

(3) ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ (الأعراف:24)

أو من السفينة إلي البر, ودليلنا علي ذلك أقوال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ التي منها:

(1) ﴿... اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ..﴾ ومنه الآيات:

(2) ﴿... قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ ..﴾ ( هود:48)

ويؤكد حقيقة أرضية الجنة التي أدخلها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ أنهما خلقا من طين الأرض وللخلافة في الأرض, ولم يرد أنهما رفعا إلي السماء, وفي ذلك يقول ربنا ـ تبارك وتعالي:

(1) ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ ( البقرة:30).

(2) ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴾ ( السجدة:7).

(3) ﴿ إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ﴾ ( ص:71).

ويؤكد ذلك أيضا من أقوال المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قوله الشريف: إن الله ـ تعالي ـ خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض, وجاء بنو آدم علي قدر الأرض: فجاء منهم الأحمر, والأبيض, والأسود, وبين ذلك, والسهل والحزن, والخبيث والطيب( أخرجه من أئمة الحديث: أحمد, وأبو داود, الترمذي, والبزار, وابن حبان).

ليس هذا فقط, بل إن هناك من أقوال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ ما يشير إلي أن جنة الخلد ستكون في الأرض الجديدة التي سوف تتبدل عن أرضنا الحالية وسوف تحتوي كل ذراتها بالكامل وذلك من مثل آياته ـ تعالي ـ:

* ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
(آل عمران:133).

* ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ ( الأعراف:25).

* ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ ﴾
(إبراهيم:48).

* ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾
(طه:55).

* ﴿ وَقَالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ ﴾ (الزمر:74).

* ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ ﴾ (الحديد:21).

* ﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً . ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً ﴾ (نوح:17,18).

كل هذه الأدلة تؤكد أن الجنة التي سكنها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ كانت ربوة مرتفعة علي الأرض ذات أشجار نضرة, وثمار يانعة, وظلال وارفة, تتوفر لهما فيها جميع حاجاتهما دون عناء أو تعب, فلما خالفا أمر ربهما وأكلا من الشجرة التي نهيا عنها أهبطا إلي أرض الابتلاء والنصب, والشقاء والتعب, والكدر والنكد, ولذلك قال ـ تعالي ـ:

﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ . فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ ( البقرة:36,35).

وهذا الحين هو أجل كل منهما, وأجل كل فرد من ذريتهما إلي قيام الساعة, ولا يعني ذلك أبدا أنهما كانا خارجين عن حدود الأرض, فقد خلقا منها, وأدخلا الجنة عليها, وأهبط بهما من تلك الجنة الأرضية هبوطا معنويا من مقومات الرعاية الإلهية الكاملة التي لا تكلف الفرد أية مسئولية عن توفير احتياجاته كلها( الضرورية منها والكمالية) إلي واقع الكدح الحقيقي من أجل توفير شيء من تلك الاحتياجات, وتحمل المسئولية الكاملة عن تحقيق ذلك, لأن أبوينا آدم وحواء مخلوقان ابتداء للحياة علي هذه الأرض, ولذلك قال ـ تعالي ـ:

﴿... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ..﴾ ( البقرة:30).

والتجربة التي مر بها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ كانت تربية لهذين المخلوقين اللذين استخلفهما الله في الأرض, وإعدادا لهما من أجل فهم حقيقة رسالة الإنسان في هذه الحياة عبد الله, يعبده ـ تعالي ـ بما أمر, ومستخلفا في الأرض مطالبا بعمارتها وإقامة عدل الله فيها, كما هو مطالب بمقاومة كل محاولات الشيطان من أجل إغوائه عن تحقيق رسالته في هذه الحياة الدنيا, حتي تكون هذه الحياة بحق هي دار ابتلاء للإنسان وفترة اختبار وامتحان يثبت لنفسه في نهايتها استحقاقه بالخلود في الجنة أو في النار, وبذلك يقيم الحجة علي نفسه بنفسه, وإلا فإن علم الله المحيط بكل شيء غني عن هذا الاختبار حتي يميز أهل الجنة عن أهل النار.

من هنا كانت حكمة الله من إدخال أبوينا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ في الجنة حتي يدركا شيئا من نعيمها, ثم يعرضهما ربهما لمحاولة من إبليس من أجل إغوائهما عن الالتزام بأوامر الله, ثم ييسر لهما التوبة إلي الله, والندم علي مخالفة أمره, ومعرفة حقيقة العدواة بين الشيطان والإنسان حتي يحتاط كل إنسان عاقل لنفسه من غواية شياطين الجن والإنس, ويعرف كيف يعود إلي ربه إذا غلبه الشيطان علي نفسه, فلا ييأس الإنسان من رحمة الله, ويتعلم كيف ينتصر علي عدوه الأول إذا شاء الانتصار عليه, ويعرف مصيره إذا سمح للشيطان بالانتصار عليه!!

وقصة أبوينا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ كما جاءت في كتاب الله هي من أوجه الإعجاز الإنبائي في القرآن الكريم, وهو إنباء غيبي لأن أيا من بني آدم لم يشهد خلق أبويه آدم وحواء.

من هنا يتضح أن قصة خلق أبوينا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ كما جاءت في القرآن الكريم لم تنقل من كتب الأقدمين, وإن كان بعض التشابه في القصة يؤكد أن أصلهما واحد, وإن كان أحدهما قد تعرض للتشويه البشري, وبقي الآخر بروايته الربانية. فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام سيدنا محمد النبي العربي, وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه, ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

قال تعلي : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ }








قال تعلي : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ }

نركز هنا علي ومضة الإعجاز الإنبائي الغيبي في الأمر الإلهي إلي الملائكة بالسجود لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ كما جاء في الآية القرآنية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال وفي أربعة مواضع أخري من كتاب الله.

من أوجه الإعجاز الإنبائي الغيبي في النص الكريم:
================================

يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في محكم كتابه:

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ ﴾
( البقرة:34)

وأكد ربنا ـ تبارك اسمه ـ هذا المعني في أربعة مواضع أخري من محكم كتابه فقال:

(1) ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴾ ( الأعراف:11).

(2) ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ﴾
( الإسراء:61).

(3) ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾ ( الكهف:50).

(4) ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى ﴾ ( طه:116)

وسجود الملائكة لأبينا آدم- عليه السلام- هو سجود تكريم واحترام وتوقير, لا سجود خضوع وعبادة وتسليم كسجود العباد لخالقهم- سبحانه وتعالي- وذلك لأن الله- تعالي- خص ذاته العلية وحده بالعبادة, وأمر عباده بعدم الخضوع بالسجود لغيره- سبحانه وتعالي- واعتبر ذلك ضربا من الشرك بالله.

والملائكة خلق غيبي بالنسبة لنا, سابق خلقهم لخلق الإنسان, وصفهم رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بأنهم خلقوا من نور, وذلك انطلاقا من حديث أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال: "خلقت الملائكة من نور, وخلق الجان من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم" ( صحيح مسلم).

والملائكة يصفهم القرآن الكريم بأنهم عباد الله المكرمون, وبأنهم هم الملأ الأعلى, وهم السفرة, الكرام البررة.

والإيمان بالملائكة واجب إسلامي لقول ربنا- تبارك وتعالي:

﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ ﴾ ( البقرة:285).

ويؤكد ذلك قوله ـ سبحانه وتعالي:

﴿ ... وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً ﴾
( النساء:136).

ويصف القرآن الكريم الملائكة بقول ربنا ـ تبارك وتعالي:

﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ ( النحل:50,49)

﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ﴾ ( الأنبياء:20,19).

ويضيف القرآن الكريم في وصف الملائكة قول ربنا ـ تبارك وتعالي:

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ( فاطر:1).

ويؤكد القرآن الكريم الطاعة الفطرية لله في الملائكة بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ عنهم بأنهم:

﴿...لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ ( التحريم:6)

والأمر الإلهي للملائكة بالسجود لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ وجميع ذريته إلي قيام الساعة موجودة في صلبه هو إعلان من الله ـ تعالي ـ بتكريم الإنسان, ذلك المخلوق المكرم الذي خلقه الله ـ سبحانه وتعالي ـ بيديه, ونفخ فيه من روحه, وعلمه من علمه, وأسجد له الملائكة, وفضله علي كثير ممن خلق تفضيلا, وفي ذلك يقول الحق ـ تبارك وتعالي:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ (الإسراء:70).

ومبعث هذا التكريم أن الله ـ تعالي ـ توج الحياة الأرضية بخلق الإنسان, وجعله أشرف هذه المخلوقات علي الإطلاق, وميزه بالبيان والعقل, وبالقدرة علي التفكير الإيجابي, وعلي اكتساب المعارف والمهارات, ومن ثم جعل الإنسان مخلوقا عاقلا مكلفا مسئولا محاسبا عن كل عمل يعمله في هذه الحياة الدنيا.

فهناك العالم المادي( بجوامده, وسوائله, وغازاته), وهناك عوالم الحياة غير المكلفة:
========================================

النباتية والحيوانية, وعوالم الحياة العاقلة غير المحسوسة ومنها المسخر( كالملائكة) والمكلف( كعالم الجن) وهناك الإنسان ذلك المخلوق العاقل, المكلف, المسئول, المحاسب والمدرك, الذي له القدرة علي التفكير وعلي إدراك ما يفكر فيه, كما يستطيع الإدراك في نفسه لمعان وقيم للأشياء والأفعال تجعله قادرا علي العيش في عالم من الأفكار, والتصورات, والذكريات, والعواطف, والمشاعر, والأحاسيس, والتعبير عن ذلك كله تعبيرا يقبله العقل السوي, وذلك مكن الإنسان من إدراك ذاته بصورة متميزة عن كل ما سواه من الكائنات الحية المدركة,

رغم ما بينه وبينها من شبه في البناء يشير إلي وحدانية الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ وتمايز في مستوي هذا البناء تشير إلي طلاقة القدرة الإلهية التي أبدعت خلق الإنسان وإلي مبررات التكريم الذي رفعه إليه الله وهو ـ تعالي ـ الرافع الخافض.
والإنسانية في الإنسان ليست بجسده المادي المعقد البناء, ولا بصفاته الجسدية الظاهرة والتشريحية الخاصة, فكل ذلك يحكمه قوانين المادة ومظاهر الحياة. والإنسانية في الإنسان ليست كذلك بنسبته إلي سلالة معينة من الكائنات هي السلالة البشرية بمعني كونه بشرا أي مخلوقا ظاهرا علي جميع الكائنات الحية الأرضية, بمعني كونه انسيا من الإنس
( أي غير الجن) فهذه كلها صفات مادية محضة. ولكن الإنسانية في الإنسان هي قدرته علي الارتقاء بذاته إلى الدرجة التي تؤهله للقيام بواجبات الاستخلاف في الأرض, واحتمال تبعات التكليف الإلهي الذي كلفه به الله ـ تعالي ـ بقوله العزيز:

﴿... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...﴾

والارتقاء بذاته كذلك إلى الدرجة التي تؤهله لحمل الأمانة التي وصفها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ بقوله العزيز:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ (الأحزاب:72).

ولذلك فالإنسان توازن دقيق بين طبيعته المادية وروحه التي نفثها فيه خالقه, وجعل له عقلا يحول دون طغيان أحد جانبيه علي الآخر, وعلي ذلك فالإنسان يعلو علي متطلبات جسده بعقله, ويعلو علي أحكام عقله بروحه, لأنه يتصل بدوافع الحياة بواسطة جسده, ويتصل بخالقه عن طريق عقله وروحه. وواجب العقل البشري أن يدرك ما وسعه إدراكه من العوالم المحسوسة المدركة, ولكنه لا يستطيع إدراك ما فوق ذلك من عوالم الغيب المطلق إلا ببيان من الله ـ تعالي ـ عن طريق الوحي المنزل علي أنبياء الله ورسله.
من هنا كانت ضرورة الدين لاستقامة حياة الإنسان علي الأرض, وتمكينه من تحقيق رسالته فيها بنجاح.

والدين علمه الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ لحظة خلقه, وأنزله علي سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين, وأتمه وختمه في الرسالة الخاتمة التي بعث بها الرسول الخاتم سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد النبي العربي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ولما كان ليس من بعد هذا الرسول الخاتم من نبي ولا رسول, فقد تعهد ربنا ـ تبارك وتعالي ـ بحفظ رسالته الخاتمة تعهدا مطلقا فحفظت في القرآن الكريم, وفي سنة خاتم المرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ في نفس لغة الوحي بها( اللغة العربية) علي مدي يزيد علي أربعة عشر قرنا وسوف تبقي محفوظة بحفظ الله ـ تعالي ـ إلى ما شاء الله حتى تبقي حجة الله علي خلقه إلي يوم الدين.

والإنسان لا يمكنه أن يحيا علي هذه الأرض حياة سوية بغير الدين, والدين لا يمكن أن يكون صناعة بشرية لقيامه علي عدد من ركائز الغيب المطلق( كقضية العقيدة) وعلي فروض تعبدية لابد للإنسان من تلقي أوامرها من الله ـ سبحانه وتعالي ـ وعلي دستور أخلاقي وفقه للمعاملات وهذه من القضايا التي لا تقوي الطبيعة البشرية علي وضع أية ضوابط صحيحة فيها, ومن هنا كانت ضرورة الدين.

والإنسان بفضل عقله, وإرادته الحرة المستنيرة بالعقل يستطيع التمييز بين معتقد صحيح وآخر غير صحيح, وذلك بدقة حفظ الوحي السماوي الذي أنزل بهذا المعتقد, والإنسان هو الكائن المتميز بالقدرة علي تحصيل العلم, وبالاستعداد لكسب المعارف عن طريق التحصيل, والتفكير والإلهام والالتزام بوحي السماء, وهو المخلوق الوحيد القادر علي تدبير حياته, وعلي توجيه قواه وملكاته المادية والروحية, وعلي تسخير ما في الأرض من قوي وكائنات, وما في الكون من سند وقوانين لعمارة الحياة علي الأرض, ومن ثم التعرف علي خالق الكون ومبدع الوجود, وفهم رسالته في هذه الحياة: عبدا لله, مطالبا بعبادته بما أمر, ومستخلفا ناجحا في الحياة مطالبا بعمارة الأرض وإقامة شرع الله وعدله فيها وهي مبررات الأمر الإلهي للملائكة بالسجود لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ وبصلبه جميع بنيه.

##أما إبليس

فهو من الجن كما جاء في سورة الكهف, والجن من عالم الغيب الذي لا نراه, وهم قد عمروا الأرض قبل الإنس, وأساءوا وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء قبل أن يسفكها بنو آدم. وقد سمي الجن جنا لاستتارهم عن أبصار الإنس. والجن خلق عاقل مكلف كالإنس, ومنهم المؤمن والكافر, وهم يأكلون ويتناسلون ويموتون, وقد عرفهم الإنس من كتاب الله ـ سبحانه وتعالي ـ ومن سنة رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فقد جاء ذكر الجان في مواضع عديدة من القرآن الكريم, وفي العديد من أحاديث سيد المرسلين, ومن هنا وجب الإيمان بوجودهم وإن لم نستطع رؤيتهم.

وقد شمل أمر الله ـ تعالي ـ إلي الملائكة بالسجود لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ كل من كان معهم ـ علي الرغم من كون الأمر للملائكة خاصة ـ وقد كان معهم إبليس وكان يعبد الله ـ سبحانه وتعالي ـ بعبادة الملائكة فشمله الأمر بالسجود لآدم ولكنه أبي.

هذه الواقعة لم يشهدها أي من بني آدم, ولم يسمع بها كفار ومشركو قريش, ولم ترد في أي من كتب الأولين, ومن هنا فإن عرضها في خمسة مواضع مختلفة من القرآن الكريم
( في كل من سورة البقرة, الأعراف, الإسراء, الكهف, وطه يمثل وجها من أوجه الإعجاز الإنبائي الغيبي في كتاب الله, يشهد لهذا الكتاب المجيد بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية في نفس لغة وحيه( اللغة العربية) علي مدي يزيد علي أربعة عشر قرنا, وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتى يبقي القرآن الكريم حجة الله علي خلقه إلي يوم الدين, ويبقي شاهدا بأنه كلام الله الخالق, وشاهدا للرسول الخاتم بالنبوة وبالرسالة,

فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

21 سبتمبر 2018

العلاج بأبوال الإبل: بين العلم الحديث والسنة النبوية

العلاج بأبوال الإبل: بين العلم الحديث والسنة النبوية

هل أثبت العلماء أن أبوال الإبل تحوي مواد فعالة مضادة للأورام الخبيثة والبكتريا ؟ وماذا كشف العلماء حول أهمية العلاج بأبوال الإبل وألبانها.. دعونا نتأمل...


روى الإمام أحمد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إنَّ في أبوالِ الإبلِ وألبانِها شِفاءً للذَّربةِ بطونُهُم) أي ما يمكن أن نسميه اليوم بالأورام التي لا تشفى بالأدوية جاء في تاج العروس يقال: ذَرِبَ الجُرح أي فَسَدَ واتَّسَعَ ولم يَقْبَلِ البُرْءَ والدَّوَاءَ. وربما في هذا إشارة إلى وجود مادة فعالة في بول الإبل يمكن أن تكون مضادة للأورام الخبيثة (السرطان).. دعونا نتأمل ما كشفه العلماء مؤخراً...
الدكتور موسى شاكر المتخصص في أبحاث الأدوية والحاصل على العديد من براءات الاختراع والابتكار الأمريكية.. قام بأبحاث على أبوال الإبل في مركز أبحاث السرطان في جامعة Albany بنيويورك ويقول:
عندما سمعت بالقدرات العلاجية لبول الإبل في علاج السرطان لم أصدق ذلك، لقد عملتُ لمدة 25 عاماً في تركيب الأدوية وحصلت على أكثر من 250 شهادة ابتكار دولية. .. بدأتُ أتعمق في هذا الموضوع وكان السؤال: ما هي مواصفات السوائل الحيوية التي تخرج من كائن هو الجمل لديه أقوى نظام مناعة بين الكائنات وذلك ضد كل الإصابات والأمراض..
ويقول : تم اكتشاف أن بول البعير يحوي مواد فعالة ضد جميع أنواع السرطان.
كما تبين بالتجربة العملية أن بول الإبل يحافظ على تركيبه إذا تم تبريديه ولعدة سنوات.. دون أن يتعفن أو يتلف أو يفسد..
إن المواد الفعالة الموجودة في بول الإبل والتي ينتجها الجمل بشكل طبيعي تعمل على منع الأورام من التطور أو التكاثر من خلال تجويع الخلايا السرطانية حتى الموت، وبالتالي القضاء على تكاثر هذه الخلايا السرطانية! ولكن من أين تأتي هذه المادة الفعالة؟ باستخدام المجهر الإلكتروني تبين أنها تتشكل من مادة أخرى موجودة في جدران الأوعية الدموية للجمل حيث ينتجها الجمل بصفة دائمة ..
إن قطرات صغيرة من بول الإبل تحوي على مواد مضادة لتكاثر البكتريا .. هذه المواد مضادة أيضاً للسرطان وتمنع جميع أنواع التكاثر.. وذلك بسبب التصميم الفريد للجمل ... فالجمل يستطيع العيش من دون لمدة 40 يوماً في ظروف صعبة جداً.
 
كما اكتشف الباحثون أن حليب الإبل يحوي أجساماً مناعية هي الأقوى أيضاً والتي تتميز بقدرتها على الدخول في الأوعية الدقيقة وعلاج أمراض عديدة منها مرض السكري... وذلك حسب بحث نشر في مجلة العلوم الأمريكية.
وجاء في تقرير نشرت تفاصيله مجلة (ذي بايولوجيست) الطبية أن الأجسام المضادة الموجودة في الجهاز المناعي للجمل تتميز بصغر الحجم مقارنة بنظيراتها لدى الإنسان وباقي الثدييات.
وقال العلماء إن صغر حجم هذه الأجسام المضادة يجعلها قادرة على اختراق أعماق الأنسجة والخلايا التي لا يمكن الوصول إليها عادة. ويشير التقرير إلى أن الأجسام المضادة عند الجمل تتميز بالقدرة على مقاومة الفيروسات، لأنها تستطيع إبطال مفعول إفرازاتها التي لها دور مهم في الإصابة بالمرض.
وقال العلماء إن هذه الأجسام المضادة تجعل الإبل في منأى عن الإصابة بأمراض ناجمة عن الفيروسات، مثل الحمى القلاعية. وأضاف التقرير إن ما حمل العلماء على الاتجاه نحو الجمل هو الحاجة التي باتت ماسة إلى إيجاد أدوية قادرة على التصدي للانتشار المتزايد للأجسام الدقيقة المقاومة لمفعول الأدوية.

أدوية يدخل في تركيبها البول بنسبة محددة ولها فعالية عالية في العلاج...
 ويقول الدكتور "مارسيل سميت" المتخصص بعلم الأعصاب على موقع بي بي سي: وجدنا دليلاً مادياً على أن تناول حليب الإبل يعالج مرض السكري.
كما يمكن لبول الإبل أن يكون علاجاً للعديد من الإصابات الجلدية البكتيرية ويدخل بالفعل في تركيب العديد من الأدوية... ولكن يبقى أن نتقبله كعلاج.
ولذلك قال الله تعالى: { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ }  [الغاشية:  17].
وفي البخاري ومسلم أيضاً روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي الكريم قال لأناس قدموا إلى المدينة واشتكوا من مرض في بطونهم فقال لهم: "لو خرجتم إلى إبل الصدقة فشربتم من أبوالها وألبانها"  ففعلوا حتى صلحت أبدانهم... إلى آخر الحديث.
ونوجه سؤالاً لكل من يريد أن يشكك في أحاديث النبي الكريم: هل يوجد بحث علمي واحد يقول بأن أبوال الإبل وألبانها لا تمتلك خصائص علاجية؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دمتم بخير .

قال تعالي : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ }






  قال تعالي : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ }
  ( الأنعام:75 ) ..
  أولا: من أوجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة:
============================
  توجه هذه الآية الكريمة أنظار قارئيها إلي حقيقة أن الكون الذي نحيا في جزء ضئيل منه هو كون شاسع الاتساع, دقيق البناء, منضبط الحركات,       محكم إحكاما مبهرا في كل جزئية من جزئياته, وفي كل أمر من أموره. وكون هذه صفاته لا يمكن أن يكون قد أوجد ذاته بنفسه, ولا يمكن أن يكون    نتاج العشوائية أو الصدفة, بل لابد له من موحد عظيم له من صفات الألوهية والربوبية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه, ومن طلاقة القدرة,   وشمول العلم, وتمام الحكمة ما يتجلي في كل صغيرة وكبيرة من أجزاء هذا الكون.
  فكوننا مبني من نفس اللبنات وعلي نفس النظام: من الذرة إلي المجموعة الشمسية إلي المجرة, وإلي الكون كله مما يشهد لخالقه بالوحدانية المطلقة     بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع.
  وكل شيء في هذا الكون مبني في زوجية واضحة من اللبنات الأولية للمادة إلي الإنسان حتى يشهد لخالقه ـ تعالي ـ بالوحدانية المطلقة فوق جميع     خلقه بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد.
  فهناك المادة وضدها ((Matterand Antimatter وهناك الطاقة الموجبة والسالبة علي مختلف أشكالها((Positive and negativeenergy   وهناك الذكر والأنثى في جميع المخلوقات من النبات والحيوان والإنسان.
  وهذه الزوجية السائدة في جميع المخلوقات تشهد لخالقها بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه, كما تشهد لجلاله بالتنزيه الكامل عن جميع صفات خلقه, لأنه ـ سبحانه وتعالي ـ هو خالق الكون كله فلابد وأن يكون فوق الكون بجميع مكوناته, وهو ـ تعالي ـ خالق كل من المكان والزمان فلا يحده أي     منهما, لأن المخلوق لا يحد خالقه أبدا, وهو ـ جل جلاله ـ فوق كل من المادة والطاقة لأنه هو مبدعهما, والمخلوق لا يشكل خالقه أبدا.
  وعلماء الفلك المعاصرون يقررون بأن كوننا الشاسع الاتساع, الدقيق البناء, المنضبط الحركات, المحكم في الجزئيات والكليات, لابد له من مرجعية   في خارجه(AREFERENCEPOINT), وهذه المرجعية العليا لابد وأن تكون مغايرة للكون بكل ما فيه ومن فيه مغايرة كاملة, فلا يحدها أي من أبعاد المكان أو الزمان, ولا يشكلها أي من صور المادة أو الطاقة, وكأنهم ينطقون بالحق الذي أنزله ربنا ـ تبارك وتعالي ـ عن ذاته العلية بقوله     العزيز:
  ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ ( الشوري:11).
  من هنا فإن في قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ:
  ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ ﴾( الأنعام:75).
  يتضح لنا وجه من أوجه الإعجاز العلمي في كتاب الله يتلخص في ضرورة تعرف الإنسان علي الكون حتى يري فيه جانبا من جوانب عظمة خالقه,    ووجها من أوجه القدرة الإلهية المبدعة في الخلق, ويري فيه ضآلة وجود الإنسان أمام هذا الكون المتناهي في اتساعه, الدائب في حركته, والمنطلق    في جريه إلي نهاية لا يعلمها إلا مبدع الكون وخالق الكائنات.
  كذلك يري الإنسان في الكون حاجة كل الكائنات, وحاجة الكون كله إلي رعاية خالقه في كل لحظة من لحظات وجوده, وفي كل آن من آناء عمره.
  ويري الإنسان في استقرار قوانين الكون, وسيلة من وسائل تعرفه عليها, وهي من سنن الله الحاكمة لكل كائن, ومن ثم الانطلاق بتوظيف تلك السنن     في القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها, وإقامة شرع الله فيها, ولذلك نجد القرآن الكريم في عشرات من آياته يحض الناس حضا علي    إمعان النظر في الكون, ودراسته, والتفكير في بديع صنعه بأسلوب علمي منهجي سليم, والتأكيد علي أن ذلك من أيسر وسائل تعرف الإنسان علي    خالقه, وإدراك جانب من جوانب طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في كل أمر من أمور الكون والكائنات فيه, فيسجد الإنسان للخالق البارئ المصور سجود  العارف بربه, ويؤمن به إيمان من يراه في بديع صنعه في خلقه,
  وهذا الإيمان الفطري الذي مر به نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ من خلال تأمله في الكون من قبل أن يأتيه وحي السماء هو رسالة هذه الآية القرآنية الكريمة لكل قارئ أو سامع لها, وذلك لأن الإنسان في الإسلام مخلوق مكرم, خلقه الله ـ تعالي ـ بقدرته, ونفخ فيه من روحه, وعلمه من علمه, وفضله    علي كثير من خلقه, لأن الإنسان هو المخلوق المتميز بالعقل, وبالقدرة علي التفكير والبيان, وعلي اكتساب المعارف والمهارات
  وتعليمها لغيره, ومن ثم فهو المخلوق العاقل, المكلف, المسئول عن جميع تصرفاته, ومن قبيل الشكر علي هذه النعم استخدامها في التعرف علي    خالقه من خلال تأمل بديع صنع هذا الخالق العظيم في خلقه.
  ويؤكد القرآن الكريم ضرورة التعرف علي الكون من أجل التعرف علي حتمية وجود خالق عظيم, عليم, حكيم له من صفات الكمال, والجمال,     والجلال, ما أضفي من بديع خلقه
  ومن هنا كان الدرس الذي يجب أن يستقي من تعرف نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ علي ربه من خلال تأمله في الكون, من قبل أن يأتيه الوحي,
  وفي ذلك يقول الحق ـ تبارك وتعالي ـ وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين, فلما جن عليه الليل رأي كوكبا قال هذا    ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين, فلما رأي القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين, فلما رأي الشمس   بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون, إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من     المشركين, وحاجه قومه قال اتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون,     وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون, الذين آمنوا ولم يلبسوا     إيمانهم بظلم..
 وهذا هو الدرس المستفاد من أحد المواقف
 المهمة في سيرة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ والذي لم يرد له ذكر في كتب الأولين علي أهميته.
  ثانيا: من أوجه الإعجاز التاريخي في الآية الكريمة:
  ================================
  عاش نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ في حدود الألفية الثانية قبل الميلاد1861 ـ1686 ق.م
  وبعث خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ في حدود سنة 610 م, أي أن بين هذين النبيين الصالحين أكثر من ألفي عام, وعلي الرغم من ذلك فقد سجل القرآن الكريم أكثر من عشرين موقفا بارزا في حياة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام, ولم يكن العرب في زمن الجاهلية أهل علم وتوثيق     وتدوين, علي الرغم من وجود آثار عديدة لنبي الله إبراهيم وابنه النبي إسماعيل ـ عليهما السلام ـ في الحرم المكي,
 ومن هنا فإن إيراد القرآن الكريم للعديد من الأحداث والمواقف الكبرى في حياة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ ومنها تأمله في ملكوت السماوات   والأرض, وحواره مع كل من أبيه وقومه, وتحطيمه للأصنام, ومحاولة حرقه في النار ونجاته منها بإذن الله, ومحاورته للنمرود, والأمر بذبح ابنه   إسماعيل وفداء الله ـ تعالي ـ له بذبح إسماعيل, مما يعتبر جانبا من جوانب الإعجاز التاريخي في القرآن الكريم يشهد لهذا الكتاب العزيز بأنه لا يمكن   أن يكون صناعة بشرية, بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذات علية, في نفس لغة   وحيه اللغة العربية, وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتى يبقي القرآن الكريم شاهدا علي الخلق أجمعين إلي يوم الدين, وحجة الله البالغة علي جميع   خلقه, التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
  فالحمد لله علي نعمة الإسلام والحمد الله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام.. صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع    هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أعياد المسلمين .

 أعياد المسلمين . أحبتي فى الله لنتأمل عيد الفطر وعيد الأضحى، ما هي مناسبة هذين العيدين؟  الحقيقة أنني بحثت عن تاريخ ولادة النبي صلى الله ع...