13 أكتوبر 2018

قال تعال : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ }





قال تعال : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ }


من أوجه الإعجاز الإنبائي في النص الكريم:

==========================
يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في محكم كتابه:

﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ( البقرة:35)

وأكد ربنا ـ تبارك اسمه ـ علي نفس المعني في مقام آخر من القرآن الكريم قال ـ عز من قائل:

﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ( الأعراف:19)

وقد اختلف المفسرون في تحديد الجنة التي أدخل إليها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ هل هي جنة المأوي المعروفة باسم جنة الخلد وهي دار جزاء وخلود, لا يخرج داخلها منها أبدا, أم هي جنة في الأرض أعدها الله ـ سبحانه وتعالي ـ لهما, وجعلها دار ابتلاء واختبار, والواضح من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة أنها كانت جنة علي الأرض أي: منطقة مرتفعة علي هيئة ربوة تعلو ما حولها, زاخرة بالأشجار المثمرة, ذات الظلال الوارفة, والنضرة والبهجة الدائمة, ولذلك وصفها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ موجها الخطاب إلي أبينا آدم ـ عليه السلام ـ قائلا له:

﴿ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى . وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى ﴾ (طه:119,118)

هذا بالإضافة إلي أن الجنة التي أسكنها آدم وحواء تم تكليفهما فيها ألا يأكلا من شجرة معينة, وابتليا فيها بذلك, والأرض هي دار الابتلاء, وجنة الخلد هي دار الجزاء التي وعد الله ـ تعالي ـ المتقين بدخولها في الآخرة, وهي ليست دار ابتلاء.

كذلك فإن إبليس دخل علي أبوينا آدم وحواء جنتهما الأرضية, وهو محروم من الدخول إلي جنة المأوي, وأن مجرد إخراج أبوينا آدم وحواء من الجنة التي أسكنا فيها ينفي عنها أن تكون جنة الخلد التي لا يخرج منها من دخلها أبدا.

والاحتجاج بتعريف( الجنة) التي سكنها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ لا يدل أبدا علي أنها جنة المأوي, وذلك لأن الألف واللام هنا للتعريف, وليسا للتعميم ويستدل علي ذلك من وصف القرآن الكريم لعدد من جنات الأرض بالتعريف, وذلك من مثل قوله ـ تعالي:

﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ ( القلم:17)

وكذلك فإن الاحتجاج بأن ذكر( الهبوط) من الجنة التي أدخل إليها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ يمكن أن يشير إلي النزول من السماء إلي الأرض لا سند له علي الإطلاق, وذلك لأن الهبوط قد يكون من مرتفع علي الأرض إلي ما دونه, كما قد يكون هبوطا معنويا في مثل قوله ـ تعالي ـ:

(1) ﴿... وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ (البقرة:36)

(2) ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ (البقرة:38)

(3) ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ (الأعراف:24)

أو من السفينة إلي البر, ودليلنا علي ذلك أقوال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ التي منها:

(1) ﴿... اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ..﴾ ومنه الآيات:

(2) ﴿... قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ ..﴾ ( هود:48)

ويؤكد حقيقة أرضية الجنة التي أدخلها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ أنهما خلقا من طين الأرض وللخلافة في الأرض, ولم يرد أنهما رفعا إلي السماء, وفي ذلك يقول ربنا ـ تبارك وتعالي:

(1) ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ ( البقرة:30).

(2) ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴾ ( السجدة:7).

(3) ﴿ إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ﴾ ( ص:71).

ويؤكد ذلك أيضا من أقوال المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قوله الشريف: إن الله ـ تعالي ـ خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض, وجاء بنو آدم علي قدر الأرض: فجاء منهم الأحمر, والأبيض, والأسود, وبين ذلك, والسهل والحزن, والخبيث والطيب( أخرجه من أئمة الحديث: أحمد, وأبو داود, الترمذي, والبزار, وابن حبان).

ليس هذا فقط, بل إن هناك من أقوال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ ما يشير إلي أن جنة الخلد ستكون في الأرض الجديدة التي سوف تتبدل عن أرضنا الحالية وسوف تحتوي كل ذراتها بالكامل وذلك من مثل آياته ـ تعالي ـ:

* ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
(آل عمران:133).

* ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ ( الأعراف:25).

* ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ ﴾
(إبراهيم:48).

* ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾
(طه:55).

* ﴿ وَقَالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ ﴾ (الزمر:74).

* ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ ﴾ (الحديد:21).

* ﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً . ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً ﴾ (نوح:17,18).

كل هذه الأدلة تؤكد أن الجنة التي سكنها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ كانت ربوة مرتفعة علي الأرض ذات أشجار نضرة, وثمار يانعة, وظلال وارفة, تتوفر لهما فيها جميع حاجاتهما دون عناء أو تعب, فلما خالفا أمر ربهما وأكلا من الشجرة التي نهيا عنها أهبطا إلي أرض الابتلاء والنصب, والشقاء والتعب, والكدر والنكد, ولذلك قال ـ تعالي ـ:

﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ . فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ ( البقرة:36,35).

وهذا الحين هو أجل كل منهما, وأجل كل فرد من ذريتهما إلي قيام الساعة, ولا يعني ذلك أبدا أنهما كانا خارجين عن حدود الأرض, فقد خلقا منها, وأدخلا الجنة عليها, وأهبط بهما من تلك الجنة الأرضية هبوطا معنويا من مقومات الرعاية الإلهية الكاملة التي لا تكلف الفرد أية مسئولية عن توفير احتياجاته كلها( الضرورية منها والكمالية) إلي واقع الكدح الحقيقي من أجل توفير شيء من تلك الاحتياجات, وتحمل المسئولية الكاملة عن تحقيق ذلك, لأن أبوينا آدم وحواء مخلوقان ابتداء للحياة علي هذه الأرض, ولذلك قال ـ تعالي ـ:

﴿... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ..﴾ ( البقرة:30).

والتجربة التي مر بها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ كانت تربية لهذين المخلوقين اللذين استخلفهما الله في الأرض, وإعدادا لهما من أجل فهم حقيقة رسالة الإنسان في هذه الحياة عبد الله, يعبده ـ تعالي ـ بما أمر, ومستخلفا في الأرض مطالبا بعمارتها وإقامة عدل الله فيها, كما هو مطالب بمقاومة كل محاولات الشيطان من أجل إغوائه عن تحقيق رسالته في هذه الحياة الدنيا, حتي تكون هذه الحياة بحق هي دار ابتلاء للإنسان وفترة اختبار وامتحان يثبت لنفسه في نهايتها استحقاقه بالخلود في الجنة أو في النار, وبذلك يقيم الحجة علي نفسه بنفسه, وإلا فإن علم الله المحيط بكل شيء غني عن هذا الاختبار حتي يميز أهل الجنة عن أهل النار.

من هنا كانت حكمة الله من إدخال أبوينا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ في الجنة حتي يدركا شيئا من نعيمها, ثم يعرضهما ربهما لمحاولة من إبليس من أجل إغوائهما عن الالتزام بأوامر الله, ثم ييسر لهما التوبة إلي الله, والندم علي مخالفة أمره, ومعرفة حقيقة العدواة بين الشيطان والإنسان حتي يحتاط كل إنسان عاقل لنفسه من غواية شياطين الجن والإنس, ويعرف كيف يعود إلي ربه إذا غلبه الشيطان علي نفسه, فلا ييأس الإنسان من رحمة الله, ويتعلم كيف ينتصر علي عدوه الأول إذا شاء الانتصار عليه, ويعرف مصيره إذا سمح للشيطان بالانتصار عليه!!

وقصة أبوينا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ كما جاءت في كتاب الله هي من أوجه الإعجاز الإنبائي في القرآن الكريم, وهو إنباء غيبي لأن أيا من بني آدم لم يشهد خلق أبويه آدم وحواء.

من هنا يتضح أن قصة خلق أبوينا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ كما جاءت في القرآن الكريم لم تنقل من كتب الأقدمين, وإن كان بعض التشابه في القصة يؤكد أن أصلهما واحد, وإن كان أحدهما قد تعرض للتشويه البشري, وبقي الآخر بروايته الربانية. فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام سيدنا محمد النبي العربي, وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه, ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

قال تعلي : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ }








قال تعلي : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ }

نركز هنا علي ومضة الإعجاز الإنبائي الغيبي في الأمر الإلهي إلي الملائكة بالسجود لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ كما جاء في الآية القرآنية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال وفي أربعة مواضع أخري من كتاب الله.

من أوجه الإعجاز الإنبائي الغيبي في النص الكريم:
================================

يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في محكم كتابه:

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ ﴾
( البقرة:34)

وأكد ربنا ـ تبارك اسمه ـ هذا المعني في أربعة مواضع أخري من محكم كتابه فقال:

(1) ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴾ ( الأعراف:11).

(2) ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ﴾
( الإسراء:61).

(3) ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾ ( الكهف:50).

(4) ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى ﴾ ( طه:116)

وسجود الملائكة لأبينا آدم- عليه السلام- هو سجود تكريم واحترام وتوقير, لا سجود خضوع وعبادة وتسليم كسجود العباد لخالقهم- سبحانه وتعالي- وذلك لأن الله- تعالي- خص ذاته العلية وحده بالعبادة, وأمر عباده بعدم الخضوع بالسجود لغيره- سبحانه وتعالي- واعتبر ذلك ضربا من الشرك بالله.

والملائكة خلق غيبي بالنسبة لنا, سابق خلقهم لخلق الإنسان, وصفهم رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بأنهم خلقوا من نور, وذلك انطلاقا من حديث أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال: "خلقت الملائكة من نور, وخلق الجان من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم" ( صحيح مسلم).

والملائكة يصفهم القرآن الكريم بأنهم عباد الله المكرمون, وبأنهم هم الملأ الأعلى, وهم السفرة, الكرام البررة.

والإيمان بالملائكة واجب إسلامي لقول ربنا- تبارك وتعالي:

﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ ﴾ ( البقرة:285).

ويؤكد ذلك قوله ـ سبحانه وتعالي:

﴿ ... وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً ﴾
( النساء:136).

ويصف القرآن الكريم الملائكة بقول ربنا ـ تبارك وتعالي:

﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ ( النحل:50,49)

﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ﴾ ( الأنبياء:20,19).

ويضيف القرآن الكريم في وصف الملائكة قول ربنا ـ تبارك وتعالي:

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ( فاطر:1).

ويؤكد القرآن الكريم الطاعة الفطرية لله في الملائكة بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ عنهم بأنهم:

﴿...لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ ( التحريم:6)

والأمر الإلهي للملائكة بالسجود لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ وجميع ذريته إلي قيام الساعة موجودة في صلبه هو إعلان من الله ـ تعالي ـ بتكريم الإنسان, ذلك المخلوق المكرم الذي خلقه الله ـ سبحانه وتعالي ـ بيديه, ونفخ فيه من روحه, وعلمه من علمه, وأسجد له الملائكة, وفضله علي كثير ممن خلق تفضيلا, وفي ذلك يقول الحق ـ تبارك وتعالي:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ (الإسراء:70).

ومبعث هذا التكريم أن الله ـ تعالي ـ توج الحياة الأرضية بخلق الإنسان, وجعله أشرف هذه المخلوقات علي الإطلاق, وميزه بالبيان والعقل, وبالقدرة علي التفكير الإيجابي, وعلي اكتساب المعارف والمهارات, ومن ثم جعل الإنسان مخلوقا عاقلا مكلفا مسئولا محاسبا عن كل عمل يعمله في هذه الحياة الدنيا.

فهناك العالم المادي( بجوامده, وسوائله, وغازاته), وهناك عوالم الحياة غير المكلفة:
========================================

النباتية والحيوانية, وعوالم الحياة العاقلة غير المحسوسة ومنها المسخر( كالملائكة) والمكلف( كعالم الجن) وهناك الإنسان ذلك المخلوق العاقل, المكلف, المسئول, المحاسب والمدرك, الذي له القدرة علي التفكير وعلي إدراك ما يفكر فيه, كما يستطيع الإدراك في نفسه لمعان وقيم للأشياء والأفعال تجعله قادرا علي العيش في عالم من الأفكار, والتصورات, والذكريات, والعواطف, والمشاعر, والأحاسيس, والتعبير عن ذلك كله تعبيرا يقبله العقل السوي, وذلك مكن الإنسان من إدراك ذاته بصورة متميزة عن كل ما سواه من الكائنات الحية المدركة,

رغم ما بينه وبينها من شبه في البناء يشير إلي وحدانية الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ وتمايز في مستوي هذا البناء تشير إلي طلاقة القدرة الإلهية التي أبدعت خلق الإنسان وإلي مبررات التكريم الذي رفعه إليه الله وهو ـ تعالي ـ الرافع الخافض.
والإنسانية في الإنسان ليست بجسده المادي المعقد البناء, ولا بصفاته الجسدية الظاهرة والتشريحية الخاصة, فكل ذلك يحكمه قوانين المادة ومظاهر الحياة. والإنسانية في الإنسان ليست كذلك بنسبته إلي سلالة معينة من الكائنات هي السلالة البشرية بمعني كونه بشرا أي مخلوقا ظاهرا علي جميع الكائنات الحية الأرضية, بمعني كونه انسيا من الإنس
( أي غير الجن) فهذه كلها صفات مادية محضة. ولكن الإنسانية في الإنسان هي قدرته علي الارتقاء بذاته إلى الدرجة التي تؤهله للقيام بواجبات الاستخلاف في الأرض, واحتمال تبعات التكليف الإلهي الذي كلفه به الله ـ تعالي ـ بقوله العزيز:

﴿... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...﴾

والارتقاء بذاته كذلك إلى الدرجة التي تؤهله لحمل الأمانة التي وصفها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ بقوله العزيز:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ (الأحزاب:72).

ولذلك فالإنسان توازن دقيق بين طبيعته المادية وروحه التي نفثها فيه خالقه, وجعل له عقلا يحول دون طغيان أحد جانبيه علي الآخر, وعلي ذلك فالإنسان يعلو علي متطلبات جسده بعقله, ويعلو علي أحكام عقله بروحه, لأنه يتصل بدوافع الحياة بواسطة جسده, ويتصل بخالقه عن طريق عقله وروحه. وواجب العقل البشري أن يدرك ما وسعه إدراكه من العوالم المحسوسة المدركة, ولكنه لا يستطيع إدراك ما فوق ذلك من عوالم الغيب المطلق إلا ببيان من الله ـ تعالي ـ عن طريق الوحي المنزل علي أنبياء الله ورسله.
من هنا كانت ضرورة الدين لاستقامة حياة الإنسان علي الأرض, وتمكينه من تحقيق رسالته فيها بنجاح.

والدين علمه الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ لحظة خلقه, وأنزله علي سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين, وأتمه وختمه في الرسالة الخاتمة التي بعث بها الرسول الخاتم سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد النبي العربي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ولما كان ليس من بعد هذا الرسول الخاتم من نبي ولا رسول, فقد تعهد ربنا ـ تبارك وتعالي ـ بحفظ رسالته الخاتمة تعهدا مطلقا فحفظت في القرآن الكريم, وفي سنة خاتم المرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ في نفس لغة الوحي بها( اللغة العربية) علي مدي يزيد علي أربعة عشر قرنا وسوف تبقي محفوظة بحفظ الله ـ تعالي ـ إلى ما شاء الله حتى تبقي حجة الله علي خلقه إلي يوم الدين.

والإنسان لا يمكنه أن يحيا علي هذه الأرض حياة سوية بغير الدين, والدين لا يمكن أن يكون صناعة بشرية لقيامه علي عدد من ركائز الغيب المطلق( كقضية العقيدة) وعلي فروض تعبدية لابد للإنسان من تلقي أوامرها من الله ـ سبحانه وتعالي ـ وعلي دستور أخلاقي وفقه للمعاملات وهذه من القضايا التي لا تقوي الطبيعة البشرية علي وضع أية ضوابط صحيحة فيها, ومن هنا كانت ضرورة الدين.

والإنسان بفضل عقله, وإرادته الحرة المستنيرة بالعقل يستطيع التمييز بين معتقد صحيح وآخر غير صحيح, وذلك بدقة حفظ الوحي السماوي الذي أنزل بهذا المعتقد, والإنسان هو الكائن المتميز بالقدرة علي تحصيل العلم, وبالاستعداد لكسب المعارف عن طريق التحصيل, والتفكير والإلهام والالتزام بوحي السماء, وهو المخلوق الوحيد القادر علي تدبير حياته, وعلي توجيه قواه وملكاته المادية والروحية, وعلي تسخير ما في الأرض من قوي وكائنات, وما في الكون من سند وقوانين لعمارة الحياة علي الأرض, ومن ثم التعرف علي خالق الكون ومبدع الوجود, وفهم رسالته في هذه الحياة: عبدا لله, مطالبا بعبادته بما أمر, ومستخلفا ناجحا في الحياة مطالبا بعمارة الأرض وإقامة شرع الله وعدله فيها وهي مبررات الأمر الإلهي للملائكة بالسجود لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ وبصلبه جميع بنيه.

##أما إبليس

فهو من الجن كما جاء في سورة الكهف, والجن من عالم الغيب الذي لا نراه, وهم قد عمروا الأرض قبل الإنس, وأساءوا وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء قبل أن يسفكها بنو آدم. وقد سمي الجن جنا لاستتارهم عن أبصار الإنس. والجن خلق عاقل مكلف كالإنس, ومنهم المؤمن والكافر, وهم يأكلون ويتناسلون ويموتون, وقد عرفهم الإنس من كتاب الله ـ سبحانه وتعالي ـ ومن سنة رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فقد جاء ذكر الجان في مواضع عديدة من القرآن الكريم, وفي العديد من أحاديث سيد المرسلين, ومن هنا وجب الإيمان بوجودهم وإن لم نستطع رؤيتهم.

وقد شمل أمر الله ـ تعالي ـ إلي الملائكة بالسجود لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ كل من كان معهم ـ علي الرغم من كون الأمر للملائكة خاصة ـ وقد كان معهم إبليس وكان يعبد الله ـ سبحانه وتعالي ـ بعبادة الملائكة فشمله الأمر بالسجود لآدم ولكنه أبي.

هذه الواقعة لم يشهدها أي من بني آدم, ولم يسمع بها كفار ومشركو قريش, ولم ترد في أي من كتب الأولين, ومن هنا فإن عرضها في خمسة مواضع مختلفة من القرآن الكريم
( في كل من سورة البقرة, الأعراف, الإسراء, الكهف, وطه يمثل وجها من أوجه الإعجاز الإنبائي الغيبي في كتاب الله, يشهد لهذا الكتاب المجيد بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية في نفس لغة وحيه( اللغة العربية) علي مدي يزيد علي أربعة عشر قرنا, وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتى يبقي القرآن الكريم حجة الله علي خلقه إلي يوم الدين, ويبقي شاهدا بأنه كلام الله الخالق, وشاهدا للرسول الخاتم بالنبوة وبالرسالة,

فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أعياد المسلمين .

 أعياد المسلمين . أحبتي فى الله لنتأمل عيد الفطر وعيد الأضحى، ما هي مناسبة هذين العيدين؟  الحقيقة أنني بحثت عن تاريخ ولادة النبي صلى الله ع...